mouha الرتبة
عدد المساهمات : 47 تاريخ التسجيل : 06/02/2012
| | د. طارق الحبيب | |
كن مستمعا بارعا ...
د. طارق الحبيبلا تقتصر براعة الحديث على أسلوب الكلام وجودة محتواه..بل إن حسن الإصغاء يُعد فناً من فنون الحوار، وكم تحدث أناس وهم لا يريدون الذييحاورهم، بل يريدون الذي يُصغي إليهم كي يبوحوا بما في صدورهم.!وبراعة الاستماع تكون بـ: الأذن، وطَرْف العين، وحضورالقلب، وإشراقة الوجه، وعدم الانشغال بتحضير الرد، متحفزاً متوثباً منتظراً تمامحديث صاحبك..!وتذكر أنك لن تستطيع أن تفهم حقيقة مراد محاورك ما لمتكن راغباً بجدية في الإنصات إلى حديثه.. كما أن معرفتك بحديث المتكلم لا تغنيك عنالاستماع.. وقد روت كتب السيرة أن شاباً قام فتكلم في مجلس عطاء بن أبي رباح؛ فأنصتله كأنه يسمع حديثه لأول مرة، فلما انتهى الشاب وانصرف تعجب الحاضرون من عطاء،فقال: والله إني لأعلم الذي قاله قبل أن يولد..!من لي بإنسان إذا خاصمته *** وجَهِلت كان الحِــــلم ردجـــــوابهوتراه يُصغي للحديث بسمعه *** وبقلبــــــهولعلـــــــــــه أدرى بـــه..!والإصغاء الجيد أبلغ ما يكون أثره في المقابلة الأولى،وفي اللقاءات العابرة؛ للأثر الطيب لمثل هذه اللقاءات في النفوس؛ ولأن الحوار فيهايكون عاماً لا يستدعي مداخلة في أكثر الأحيان، وفيها يتشكل انطباع كل فرد عن الآخر..وكم أثنى الناس على حسن حوار فلان مع أنه يطيل الصمت..!قال بعض الحكماء: "صمتك حتى تُستنطَق، أجمل مننُطقك حتى تسكت"..!يقول "دايل كارنيجي": "إن أشد الناسجفافاً في الطبع، وغلظة في القول، لا يملك إلا أن يلين، وأن يتأثر إزاء مستمعصبور، عطوف، يلوذ بالصمت إذا أخذ محدثه الغضب"..! قال أحد حكماء العرب: "إذا جالستَ العلماء فأنصتلهم.. وإذا جالست الجُهَّال فأنصت لهم أيضاً؛ فإن في إنصاتك للعلماء زيادة فيالعلم، وفي إنصاتك للجُهَّال زيادة في الحلم"..!ونقل ابن عبد ربه في "العقد الفريد" عن بعضالحكماء قوله لابنه: "يا بني..تعلَّم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث، وليعلم الناسأنك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول".ويخطئ بعض الناس بالمبالغة في الإنصات لدرجة عدم الكلاممستشهدين بالحكمة الدارجة "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب!" فلهؤلاء أقول: لولا الكلام لما عرفنا هذه المقولة..! ولذا ما أدق فهم الجاحظ حين قال: "ليس الصمت كلهأفضل من الكلام كله، ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله، بل قد علمنا أن عامةالصمت أفضل من عامة الكلام"..!وليس الخجل من الحديث أمراً محموداً، فقد يكون ذلكالساكت ممن تنقصهم مهارة الحديث أو به علةنفسية كالرُهاب الاجتماعي، أو اضطراب فيشخصيته يجعله يتجنب الحديث مع الآخرين.(( ** حادثْهُ بإسمه ** ))د. طارق الحبيباحرص على معرفة اسم مجالسك وادعه به، وليكن ذلك في أولالحوار، مثل قولك : "هل لي أن أتشرف بمعرفة اسمك الكريم؟" ثم خاطبه به مقروناًبلفظ التقدير الذي يفضله، ويختلف ذلك من مجتمع لآخر، فمنهم من يكون قمة التقديرعنده أن تدعوه بأكبر أبنائه، ومنهم من يفضل مناداته بدرجته العلمية: كأستاذ أو مهندسأو دكتور.. وليكن اسمه جزءاً أساسياً من خاتمة الحوار كقولك:"لقد كانت مناسبة سعيدة أن تعرفنا عليك يا أخ فلان.." فهي كالطابع فينهاية الرسالة لابد منه، ثم إن لاقيته ثانية فابدأه باسمه.ولا تبالغ في ترديد اسمه بين كل حرفين؛ فإن ذلك مما يمجهالذوق وتبغضه النفس.. وتذكَّر أن كبير السن يبهجه التصاغر أمامه والتقرب إليه،ولذلك كان إبراهيم ينادي آزر بنداء الأبوة مضافاً إليه: "يا أبت".ومن اللياقة أن تعرفه بالحاضرين، وتعرف الحاضرين باسمه،مما يشعره أنه واحد منهم لا غريباً عنهم.. كما قد يسهل ذلك عليك أن تقرره بحقيقةتريد بيانها، وذلك بإدراج اسمه ضمناً كقولك: "وأظنني والأخ فلان متفقين علىهذا الأمر" وكم ابتهج وضيع بذكر اسمه من رفيع، وأنسته البهجة موضوع الحواروأقبل على ما كان يرفضه قبل حين. قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه -: "ثلاثة تُثبتالمحبة لك في قلب أخيك: أن توسع له في المجلس، وأن تدعوه باسمه، وأن تبدأه بالسلام".(( ** حـسـن الـبـيـان ** )) د. طارق الحبيبالفصاحة والبيان يفعلان فعل السحر في السامع .. فصاحة منغير إغراب ولا تعقيد، وبيان من غير تشدق ولا تفيهق . قال الجاحظ : البيان ترجمان القلوب وصقل العقول .وما أحلى الحوار بكلام يأتي بقدر الحاجة في وقت الحاجة،وقد رُوى عن عمر- رضي الله عنه- أنه قال : إن أندم على شيء من الدنيا، فلا أندمإلا على ثلاثة ذكر منها وأن أجالس أناساً ينتقون كلامهم كما يُنْتَقَى أطايب الثمر .ومن ضروب البيان تبسيط الفكرة ومقارنتها بغيرها .. سئل الشاعر أحمد شوقي : لماذا تكتب القصائد ذات الحكاياتالخرافية ؟ فقال : لأن الأمثال وحدها بدون حكاية عبارة جافة سرعانما تنسى، كما أنها لا تثير الاهتمام.أما الحكاية فهي تستثير اهتمام الطفل لمتابعة حوادثهاحتى النهاية، وبالتالي لفهم العظة الأخلاقية التي هي هدف القصيدة ويقتنع بها . ومما يفسد البيان عجمة بعضهم باستخدام ألفاظ غير عربيةأو رطانتهم بسرد التعابير التقنية التي يعرفها من خلال تخصصه – كطبيب أو مهندس –أو من حصيلة قراءته العامة، أو لعله يتباهى بها أمام من يجهلها، وربما كان هو بها أجهل!!.فما أجمل بساطة العبارة، من غير إطالة ولا تكرار، حتى لايخل بعض الكلام ببعض، فكم ضاع حق بسوء عبارة، وظهر باطل بحسن طلاوة، كما أنه ينبغيعلى المتحدث ألا يسرع بعرض أفكاره فَيُعْجِزُ عن ملاحقته ولا يبطئ فَيُمَلَ منه ويترك،وأن يكون واضح العبارة لا تجد صعوبة في تتبع كلماته.وينسى البعض أثناء حديثه .. فهو حينما ينتقل من فكرةلأخرى أو ينشغل بالتفكير في ثالثة، فإنه لا ينقطع عن الحديث بل يظل يعيد بعضالأحرف أو الكلمات مثل " فا..فا .. آ آ .. يعني يعني .. " وما كان ذلكإلا لخوفه من المقاطعة أو أنه سريع الحديث فيصعب عليه التحكم في ألفاظه نظراًلانشغال عقله في وصل الحوار.ومن البيان أن يعرف متى يتكلم، ومتى ينصت، ومتى يجيبإشارةً، وما أجمل كذلك أن يطرز كلامه بشواهد الشعر والنثر دون المبالغة في ذلك. قال أبو العتاهية: " لو شئت أن يكون حديثي كلهشعراً موزوناً لكان " .ومن البيان أيضاً أن يكون الفرد موضوعياً، فالناس تشدهمالحقائق وتضايقهم العموميات، ويحترمون من يرفد حديثه بالأرقام والتواريخ والأحداث.(( ** الخلافطبيعة بشرية ** ))شيءٌٌ لابد منه، ذلك هو اختلاف الآراء، ولعله من أسبابتتابع الرسل وتوالي الكتب { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُالنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَبِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ }[1].ويكون الاختلاف في أمور الدين والدنيا صغيرها وكبيرها،ولعل سبب ذلك تباين الطبائع، فالناس مختلفون في عقولهم وأفهامهم، وفي ميولهمورغباتهم، وفي تنشئتهم وثقافتهم. ولقد اختلف أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما - مراتعديدة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فما عنَّف واحداً منهما. وكم من المرات التي اختلف بعض الصحابة رضوان الله عليهممع النبي صلى الله عليه وسلم ذاته مثلما كان من عمر رضي الله عنه في أسرى بدر،وكذلك الحباب بن المنذر رضي الله عنه في اختيار موقع معسكر المسلمين في غزوة بدر،فقد كان من منهجه صلى الله عليه وسلم استشارة أصحابه، فلربما سمع رأياً آخر فاستحسنه.فإذا أدرك المحاور قبل حواره أن الاختلاف وتبادل الآراءطبيعة بشرية؛ أقبل على مُحَاوِرِه بنفس مطمئنة، وروح هادئة، تكون سبباً في تقاربوجهات النظر وإماتة روح الفرقة والاختلاف، وإن ننس فلا ننسى قول الشاعر: واختلاف الرأي لا يُفسد للود قضيةفالنقاش حوار عقول، والمودة حوار عواطف، فخلاف بسيط فيوجهات النظر لا يُذْهِب بالمودة والمحبة، ويأتي بالعداء والخصومة.قال يونس الصدفي ـ رحمه الله -: ما رأيت أعقل منالشافعي.. ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أباموسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة !(( *:* لتحسن العرض *:* ))يقول بشر بن المعتمر: من أراد معنى كريماً فليلتمس لهلفظاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف.وقال أرسطو: لا يكفي أن يعرف المرء ما ينبغي أن يقال، بليجب أن يقوله كما ينبغي.طالما رُفِضَتْ أفكار ورُدَّتْ أطروحات لأن صاحبها لميحسن عرضها في قالب جيد .. حيث تجد بعضهم يقوم بنقض الثوابت لدى الطرف المقابلفجأة وبدون تقديم تدريجي لها في بدء حواره، فلا يكتب له القبول.ولذلك نجد أن الحوار القرآني مع الكافرين في مختلف سورالقرآن الكريم يعرض ابتداءً آيات الإعجاز الكونية وعظمة خالقها حتى يقرها فينفوسهم، ثم في النهاية يباشرهم بحقيقة الدعوة والوعيد الشديد إن هم أعرضوا."وابتعد التقريرية في حوارك – ما أمكن - واستبدلالأوامر بالاقتراحات تمتلك زمام صاحبك دون أن تسيء إليه أو تستثير عناده، بل حاولأن تشعره بأن الفكرة فكرته".قال حكيم الصين " لاوتي ": " والرجلالعاقل هو الذي إذا أراد أن يعلو على الناس وضع نفسه أسفلهم، وإذا شاء أن يتصدرهمجعل نفسه خلفهم .. ألا ترى إلى البحار والأنهار كيف تتلقى الجزية من مئات الترعوالجداول التي تعلوها" .ولتقدر أفكار صاحبك، ولتبد عطفك على رغباته، واجعلالحوار فيما يهمه تجده يقبل شغوفاً على الأمر الذي تقترحه عليه.جاء شاعر مبتدئ إلى شاعر كبير كي يعرض عليه مقالة كتبهاوضمنها شيئاً من شعره، فقرأ الشاعر المقالة ووجد أبيات الشعر مكسرة عليلة خالية منأي حس شعري، فقال له: إني وجدتك تجيد النثر أكثر من الشعر، فهلا جعلتها قطعة نثريةبحتة، فأعجب المبتدئ هذا الاقتراح فعمل به .ومن حسن العرض أحياناً الحديث بأسلوب يثير التساؤل عندالطرف الآخر فيدفعك بأسئلته للتحليق في الميدان الذي تريده.والمحاور الجيد هو الذي لا يبدأ حواره بلغة رسمية لأنهإن فعل ذلك فسيكون الحوار رسمياً، أما لو بدأ الحوار بلغة ودودة خالية من الإلحاحوالقلق فإن المودة والاحترام سيكونان مآل ذلك الحوار.وصدق من قال: من لانت كلمته وجبت محبته.وصف بعضهم رجلاً بليغاً فقال:كلامه سمح سهل، كأن بينه وبين القلوب نسب، وبينه وبينالحياة سبب، كأنما هو تحفة قادم، ودواء مريض، وواسطة قلادة.(( ** طلب الحق ** ))إن المسلم الصادق ينشد الحقيقة ويفر من الخديعة ، همّهبلوغ الحق سواء على يده أو على يد محاوره فالحكمة ضالته .وقد انتقدت امرأة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فيمسألة تحديد المهور وهو في خطبته على ملأ من الناس، فقال : أصابت امرأة وأخطأ عمرفحفظ التاريخ روعة ذلك الحدث لعمر _ رضي الله عنه – ونُسيت بل حتى لم يذكرالمؤرخون اسم تلك المرأة التي استطاعت أن تصوب قرار الخليفة !!قال الإمام الشافعي : " ما كلمت أحداً قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحقعلى لساني أو لسانه ".وقال أبو حامد الغزالي:" أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أنتظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه،ويرى رفيقه معيناً لا خصماً،ويشكره إذاعرفه الخطأ وأظهر له الحق".ومن طلب الحق أن تضع نفسك مكان محاورك وتبحث في الأسبابالمحتملة لحيدته عن الحق .ولا نرفض الحق إن جاءنا من غير المسلم حتى لو كان في أمرديننا فما بالك إن جاءنا من إخواننا في أمور دنيانا، فعن قتيلة بنت صيفي الجهينيةقال : أتى حبر من أحبار اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، نعمالقوم أنتم ، لولا أنكم تشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحانالله وما ذاك ؟! " قال : تقولون إذا حلفتم والكعبة . قالت : فأمهل رسول اللهصلى الله عليه وسلم شيئاً ثم قال : " إنه قد قال ، فمن حلف فليحلف برب الكعبة" قال : يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله نداً ، قال صلى اللهعليه وسلم : " سبحان الله ، وما ذاك ؟! قال تقولون ما شاء الله وشئت . قالتفأمهل رسول الله صلى الله شيئاً ثم قال : " إنه قد قال ، فمن قال : ما شاءالله فليفصل بينهما ثم شئت".ومما يبتلى به بعض الناس حب الحديث لحاجة وبدون حاجة ،وشهوة السيطرة على المجالس ، وإظهار البراعة والثقافة ، وانتزاع الإعجاب وانتظارالثناء من الآخرين ، وهذا ولا شك مما يحبط أعمالهم وقلما يجدون به القبول عندالناس.قال الشاعر أحمد شوقي : إذا رأيت الهوى في أمة حكماً ** فأحكم هنالك أن العقل قدذهباولذلك حبذا لو راجع الدعاة إلى الله أنفسهم من وقت لآخر، لأن وظيفتهم التي شرفهم الله بها تعتمد في أصلها على الحوار . ولقد فطن لذلك عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – بقوله : " والذي لا إله غيره ما على ظهرالأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان" .كما يجب أن نتذكر أن هوى النفس لا يأتي عرياناً بلمزخرفاً بألفاظ النية الخالصة : " إحقاقاً للحق أقول " .. "انتصاراً للأمة " .. ثم يندس هواه بعد ذلك من حيث يعلم أو لا يعلم .ولذلك ينبغي للمحاور أن يقف مع نفسه قبل كل حوار وقفتين :• هل نيتي خالصة لله في هذا الحوار . فإن غلب على ظنه أن نيته خالصة ، وقف وقفته الثانية : • هل هناك فائدة ترجى من هذا الحوار ؟ أم لعله يثير فتنة، أو مدعاة لترف فكري من غير ضرورة، أم أن تركه خير من نتيجته المرجوة في أحسنالأحوال .ومن نصائح الرسول صلى الله لأبي ذر الغفاري :" عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان ، وعون لكعلى أمر دينك " ولكن يا تُرى لو خلصت النية في حوار مفيد ، ثم طرأ عليهاعارض من الشيطان ، هل يحجم عن الحوار أم يستمر فيه ؟لا ريب أن هذا من مداخل الشيطان ، بل عليه أن يستمر ،ويدعوا الله أن يخلص له قصده.@ لا تتعصب..!الحق هو ضالة المؤمن، ينشده حتى ولو كان على نفسه، فذلكالعقل بعينه والتحرر من تبعية الهوى.والمتعصب هو ذلك الإنسان الذي غطى هواه على عقله، فهو لايرى غير رأيه، بل ويستغرب أحياناً، وأحياناً يسفه آراء غيره. كما تراه يكثر منمقاطعة محاوره، وقلما اعترف بخطأ، بل يكثر الردود ويسعى لحماية نفسه وما يخصه، ويدافععن رأي مسبق يعتقد به حول الموضوع محط الحوار دون تفكير ونظر فيما يسمعه من أفكاروآراء الآخرين. كما تراه يقطع ويجزم في كل شيء يتحدث به، وقلما قال: أحياناً أو فيبعض الأحوال، بل يستبدل ذلك بقوله: دائماً.قال الشاعر:دع الجدال ولا تحفل به أبداً ** فإنه سبب للبغض ماوُجِدَاوالمتعصب يدور مع فكرته حيث دارت، وقد يضطر للتفكير بطرقمتناقضة في ذات الحوار دعماً لفكرته العقيمة. ومن هذا المنطلق السقيم نشأتالحزبيات في العمل الإسلامي وتعددت المناهج؛ مما كان له بالغ الأثر في اضطرابالصفوف وتأخر الوحدة.قال الشيخ "عبدالرحمن السعدي" ـ رحمه الله ـفي تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين:2ـ 3): "دلتالآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب أن يعطيهم كل ما لهممن الأموال والمعاملات، بل يدخل في عموم هذا: الحجج والمقالات، فإنه كما أنالمتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج، فيجب عليهأيضاً أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظرفي أدلته هو. وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه". وفي المقابل فليس الخنوع محموداً، فإن قام شخص وتكلم فيأمر لك به صلة فلا تسكت ـ بعيداً عن التعصب ـ بل حاوره مسلماً بما عرضه من حقائق،معترفاً بما انتقده من أخطاء، ثم انقله بهدوء إلى ما خفي عنه في ذلك الموضوع..فهذا الضرب من الحوار يجعلك مثال الموضوعية والأمانة ومحط احترام الآخرين وتقديرهم.ومن أقبح التعصب أن يكون هم المحاور إسقاط صاحبه، وتتبعهفواته، والتحايل عليه؛ رغبة في تحقيره، فمن كان ذلك شأنه فليهنأ ببغض الناس له!!قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم بيت فيربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً" ولا يعد الثبات على الحق والالتزامبالصواب المتعارف عليه لوناً من التعصب، فهناك من الأمور ما يجب الثبات عليه ولواقتضى الأمر حدوث ما يبدو أنه إساءة للطرف الآخر، فعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أن عمر بنالخطاب ـ رضي الله عنه ـ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة فقال:يا رسول الله هذه نسخة من التوراة. فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير. فقال أبوبكر: ثكلتكالثواكل، ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فنظر عمر إلى وجه رسولالله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله من الله وغضب رسول الله صلى الله عليهوسلم: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواءالسبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتي لاتبعني"ومن التعصب ما نجده عند بعض كبار السن عند حوارهم معالشباب؛ فهم متعصبون لآرائهم ولا يقبلون رؤية الشباب؛ لأنها ـ حسبما يقولون ـينقصها النضج دون أن يبذلوا أدنى جهد في تقييم ذات الفكرة.ومن التعصب أيضاً إصرار بعضهم على كسب الحوار بنسبة مئةفي المئة؛ مما يثير التعصب عند الطرف الآخر | |
|
الثلاثاء 20 مارس 2012, 19:33 من طرف علي