مقدمة:
رغم أن موضوع التراث قتل بحثا، وكتب عنه الشيئ الكثير، ومع ذلك لا يزال حديث الساعة شاغلا إهتمامات الكثير، من المهتمين بحركة الأفكار وبقضايا الأمة المصيرية، لذلك كان لابد من إعادة تحريك الموضوع وإعادة بعثه من جديد.
إن الخوض في موضوع التراث، عمل تاريخي هام، في جوهره، له أبعاد ومظاهر خطيرة لطبيعة صعوبة، وتشعب، الموضوع، وذلك إما للإرتباط الوثيق، والحنين الكبير، للعمل التراثي، إلى حد الإغتراب فيه، أو الميل، كل الميل، إلى الثقافة التغريبية ،بحجة أنها تمثل رهان المستقبل في إطار الحداثة.
يرجع الاهتمام بهذه الدراسة ، الى دافعين رئيسيين: احدهما رغبة علمية بحتة،في الاطلاع على صورة موثقة، لواقع الصراع بين، دعاة التراث ،ودعاة الحداثة ،اما الدافع الثاني هو، معرفة التاثير الحقيقي،والخطير لسياسة المراهنة،على طرف، دون الطرف الاخر.
لذلك تبقى الإشكالية التقليدية، التي حيرت المفكرين، قائمة بقوة، في وسط تضارب، وتعارض التيارات الفكرية، التي تنسج، لنفسها نهجا، ورواقا، خاصا بها ،دون معرفة عواقب تلك العملية.
إن الإنفتاح، على الوجه الآخر للتراث، وقيام نوع من المصالحة ،بين عدد من المناهج، وإزالة المتناقضات، بإعتبار أن الإنسان، هو الذات، وهو الموضوع، في آن واحد.
لماذا كل هذا الضجيج، حول موضوع كان يمكن الفصل في حيثياته، بين الطرفين لو حكم العقل الواعي، المتفتح والناضج، بعيدا عن تضارب المصالح الآنية، والحسبات الظرفية والحساسيات المفرطة، التي يفترد أن الزمن قد تجاوزها ،خاصة في إطار نسيج التداخل الثقافي وخطر العولمة الكاسح.
1-تصحيح مفهومنا للتراث:
تعددت الأراء، والمفاهيم، حول حقيقة التراث، فأضحى أكثر تعقيدا، بفعل التطورات السريعة فهناك من فهم التراث، في جانبه المادي فقط، أوفي جانبه الروحي، أي مفهوما جزئيا غير كامل للتراث، وعليه فإن فكرة المحافظة على التراث، شابها نوع من الغموض، وقصر النظر، بحسب موقع نظرتنا لهذا التراث فهناك النظرة الداخلية المتعاطفة معه، والنظرة الخارجية المعادية له.
وهناك تراث مادي، وآخر روحي، فأما الأول ينحصر، في الآثار المادية التي تجسد الماضي أما الثاني، فنقصد به الإستقرار الروحي، والإجتماعي، والتقيد بالنظم، والإنماط ، المتوارثة عن الأجداد
فالتراث، أس من أسس، مكونات الذاكرة الجماعية للأمم، ولذلك ليس من حق أي كان، أن يلغيه بجرة قلم، نزلا عند رغباته ونزواته، ببساطة لأنه ليس ملكه الشخصي حتى يتصرف معه بهذه الطريقة.
لقد فهم الغرب التراث، على أنه مغزا فلسفيا، وقيمة جمالية، وإرثا تاريخيا وشحنة عاطفية وبهذا يكون مفهوم التراث ،قد مر بثلاث قيم أساسية هي: القيمة الجمالية ونعني به الذوق الجمالي للتراث، والقيمة العاطفية(تقديس التراث)، وأخيرا القيمة المعاصرة ربط التراث بروح العصر
الحكمة تفترضي، أن لا ننظر إلى تراثنا، بنظرة تجزيئية، كأن نتعامل معه، بنظرة تقديس وتحنيط ،كأنه متحف نزوره ،إلا في المناسبات، ونتبرك بآثاره ومقتنياته.
كما يجب علينا، أن لا ننظر إلى التراث، كأنه شيئ مقدس، يأخذ كله، أو يترك كله، بل الإنتقاء مطلوب، وضروري، فلا بد من النظرة الشاملة للتراث، من حيث النوعية والحقب الزمانية والمكانية.والوقوف على المكونات الحقيقية للتراث، بجميع محتوياته الإيجابية والسلبية.
ونظرا لشيوع بعض الأحكام، والمفاهيم الخطيرة عن حضارتنا، وهويتنا، فشوهت صورتنا بإتهامات باطلة، بقصد الإساءة إلى تراثنا، وخاصة من قبل المدرسة التاريخية الإستعمارية التي كتبت، عن السكان الأصليين، وسلوكاتهم، وأنماط العلاقات، بين الرجل والمرأة، ضمن العائلة والمجتمع، والبيئة البسكولوجية للفرد، وتخلفه الوراثي، والفروق المزعومة بين المكونات السكانية للجزائر، مثل الإختلافات العرقية داخل جماعات البربر، وبينها وبين جماعات العرب، وخضوع الجميع للقوة وحدها، وإستحكام التعصب الديني المؤدي إلى الإنغلاق، والعنف، والعدوانية....إلخ ،علق على ذلك الدكتور محمد ولد خليفة بأن الغريب في الأمر، أن كل تلك التوصيفات، أحكام عامة يتبناها الجزائريون،كانوا قبل عدة عقود مجرد مخبر.
فلا بد من غربلة التراث، وذلك بالقيام بالتصفية العلمية له، ونزع منه ماهو مغشوش ومن جهة أخرى، يعتقد الأستاذ ولد خليفة، إن تأثير هذا التراث المسموم طال الأحكام القطعية،على المواقف، والإتجاهات،التي إتخذتها الفصائل القيادية، في الحركة الوطنية، وقد تبنت بتأثير، من حزب الشعب، والعلماء، وما يسمى اليوم بالثوابت الوطنية.
لكل أمة هزائمها السياسية ،و العسكرية، والفكرية ،على وجه الخصوص، إلا أنه ما يعاب علينا تفسيرنا الخاطئ ،لهذه الهزائم، فأصبحت المدارس الفكرية الغربية ،هي التي تفسر وتقرأ وتكتب لنا تاريخنا ،الذي شوهته وطمسته كثير من الحقائق، وزرعت في شبابنا قيم الهزيمة والرذيلة، والجمود، ففسرت هزائمنا، بعد تقليد الغرب، في كل صغيرة وكبيرة ،وأن الحل كل الحل على حد زعمهم، في نزع عباءة العروبة والإسلام، ولبس البدلة الغربية ،وقطع أواصر التعاون، والانتماء مع المشرق العربي، والإستغناء عن التراث وإستبداله بعنصر الحداثة، بينما يرى الباحث والمؤرخ الدكتور محمد عمارة ،إنه من بين أسباب التقدم ونضج الشخصية الوطنية لأية أمة: إستلهام التراث ولن يكون هذا الإستلهام، ما لم نفعل ونشغل جهازين أساسين هما: جهاز الإستقبال، وجهاز الإرسال، عندما يكون هناك تعاون، وتفاعل بين الإثنين فنطمئن حينئد على سلامة ذواتنا.
2-موقف الفكر الجزائري من التراث:
لا يوجد هناك موقف واضح وموحد من التراث، بين الجزائريين، لوجود ثلاث مؤثرات ساهمت في دفع الحركة الأدبية والفكرية في الجزائر هي: المؤثر العربي الإسلامي والمؤثر الوطني، والمؤثر الغربي الأوربي .
فأما المؤثر الغربي، أنتج لنا مفكرين جزائريين،بعد الحرب العالمية الثانية، فكانت وسائلهم واتجاهاتهم غربية،أما المؤثر الشرقي ،كان في أوائل القرن العشرين، وهو الذي أدى إلى الانفصال التام، عن فرنسا.
وبذلك انقسم الفكر الجزائري، حيال التراث، إلى ثلاث تيارات رئيسية هي:
1- تيار دعاة الأصالة، أو ما يسمى بالمحافظيين، صنف منهم، قابلوا الشيخ محمد عبده عند زيارته إلى الجزائر سنة 1903، منهم، الشيخ محمد سعيد بن زكري، وعلي بن الحاج موسى 1854-1921 و عبد القادر المجاوي ،وابو القاسم الحفناوي 1850-1942 و الشيخ عبد الحليم بن سماية 1866-1933 .
2-تيار دعاة المعاصرة،أو ما إصطلح على تسميتهم بالمجددين، وجد هذا التيار أثناء الإحتلال الفرنسي، كان محافظا على الشخصية العربية الإسلامية،و التراث الثقافي العربي الإسلامي، المتمثل في التاريخ والحضارة، ومن بين هؤلاء الذين كان لهم شرف الإلتقاء بالشيخ محمد عبده بالجزائر أثر زيارته لها وهم: محمد بن مصطفى بن الخوجة1865-1915 ومحمد بن دالي، ومصطفى الشرشالي، وعبد الرزاق الأشرف،ومحمد بن أبي شنب1869-1929.
إمتد الفريق الأول، بعد سنة 1931 إلى غاية الإستقلال، يمثل التيار العربي الإسلامي التقليدي الممثل في بعض الطرق الصوفية، التي تقوقعت على نفسها ،وعادت كل جديد، بل ضيعت حتى القديم المشرق، وتمسكت بالقشور، وأصبحت تجتر في ثقافات غيرها ،دون التمكن من إستيعابها، أما الفريق الثاني ،مثله في نفس السنة، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي رفعت شعار" العربية لغتنا والجزائر وطننا والإسلام ديننا"، فتمسكت بهويتها وحاولت التفتح على المشرق الإسلامي، لربط الجزائر بمحيطها العربي الإسلامي، فشملت علماء معتدلين في فكرهم وثقافتهم، كعبد الحميد بن باديس، و البشير الإبراهيمي، وتوفيق المدني....الخ.
إلا أن الفريقين، بقوا يمثلون التيار العربي الإسلامي، وبذلك بدءا من سنة1931 ظهر تياران رئيسيان، متضادان، مختلفان في المنهج، والتوجه، والوجهة.
فالأول هو تيار الثقافة العربية، وتمثله مايسمى بالنخبة المعربة، يمثله دعاة القومية الإسلامية وهم، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورجال الطرق الصوفية، وتؤيده سياسيا حركة حزب الشعب الجزائري، ثم حزب جبهة التحرير الوطني، فحزب أحباب البيان والحرية 1945.
كان هذا التيار، يمثل حلم مشروع مجتمع الشعب الجزائري، لما بعد الاستقلال، فكان ينادي ويناضل من اجل، انشاء جمهورية جزائرية ديمقراطية شعبية، في اطار المبادئ الاسلامية .
اما التيار الرئيسي الثاني: يمكن تسميته بتيار الثقافة الفرنسية، مثل هذا التوجه، دولة الاحتلال الفرنسي، وفئة من الجزائريين، أو جماعة النخبة، بدات ملامح هذا التيار تظهر، قبيل الحرب العالمية الاولى، وتبلور في بعض المنظمات السياسية إبتداءا من عام 1930.
اما الدكتور عبد الله ركيبي، فقد رصد اربع اتجاهات، وتيارات فكرية، والتي انعكست في انتاج المفكرين، والمبدعين ،قبل ثورة اول نوفمبر التحريرية ،وهي الفكر الرجعي المحافظ والفكر الاصلاحي،والفكر الليبيرالى، ثم الفكر الاشتراكي .
فاما الفكر الرجعي المحافظ، فهو أكثر ارتباطا بالقديم، هناك عدة عوامل، ساعدته على البقاء والاستمرارية ،حتى ظهور ثورة نوفمبر 1954 منها: عصور الانخطاط وما صاحبه من جمود وخمود وهمود، وفسخ ومسخ ونسخ، على حد تعبير المرحوم ملود قاسم نايت بلقاسم طول فترة الاستعمار الفرنسي، الذي شجع على ترسيخ الفكر الرجعي، هؤلاء فروا إلى ماضيهم، واروا فيه حلا لمشاكلهم، فانتشرت فكرة القدرية ،وفسروا ظاهرة الاستعمار بانها قضاء وقدر، فانتشر بذلك الفكر الخرافي ،هذا التيار وضع العقل جانبا، ورفض الاجتهاد بل وصلت الى حد تكفير المجدديين والمجتهديين.
فهناك الرجعي المعرب ،وهناك الرجعي المفرنس، على حد تعبير عبد الله ركيبي أما التيار الإصلاحي، فهو فكر متقدم ،متطور، مقارنة بالتيار الاول، يتصف هذه التيار بالاعتدالية والوسطية ،فهو يختار من تراثه، ماهو أفيد وأنفع، ولا يرفض التطور والتجديد، لقد جمع بين فكر الأصالة والمعاصرة، إتصف هذا التيار، بثلاث صفات رئيسية هي: التوازن بين الماضي والحاضر، والملائمة بين العقل والدين، وربط القول بالفعل .
رفض هذا التيار الإستعمار الفرنسي، وحاربه ثقافيا، وفكريا، وتربويا.
وثالث التيارات، هو التيار الليبيرالي، ذو النزعة العقلية البحتة، فهو يرفض كل قديم ويحاربه ويعتبره مصدر بلاء الوطن، لأنه يقف ضد التقدم ،على حد زعمهم، تأثر هذا التيار بالثقافة الغربية ،ولا سيما الفرنسية منها: وهو فكر يدعوا إلى الحرية الفردية، وتبنى التفكير البرجوازي الطبقى، فتأثر بالمذاهب السايسية الغربية.
داخل هذا التيار، نميز بين صنفين، من الفكر، دعاة الإندماج ،ودعاة الإستقلال، فهو صاحب الفكر الثوري.
أما رابع تيار، وهو التيار الإشتراكي، كان ضعيفا، فإشتد تأثيره، بعد الثورة.
وهكذا فقدت تعددت المواقف، والنظرات، إلى التراث إلى، عوامل تاريخية، وسياسية، وفكرية وثقافية، فمثلا الأستاذ محمود أمين العالم يحدد موقفه ،من التراث بقوله" لاينبغي أن يكون موقفنا من التراث، موقف الرفض المطلق أو الإنتقائية النفعية ،أو موقف الأحياء السلبي أو الإسترداد البليد، إنما ينبغي أن يكون موقفنا، موقفا تدريجيا شاملا، يتبني التراث كله، بكل أنحائه، ونتخذه، عمقا تاريخيا لنا، لا مجرد أداة تساعدنا في طرائق العيش.
فالأصالة بالنسبة للأستاذ محمود أمين العالم، هي الإستيعاب النقدي، الواعي للماضي، الذي يؤدي إلى الإنتاج، والإبداع، وتجاوز الواقع المتخلف، إلى واقع جديد متجدد
أما الدكتور أنور عبد المالك يرى في قضية التراث، أنه ليس جسدا ميتا، بل هو جسد حي، لذلك أتعامل مع التراث، كما أتعامل مع جسدي، ومع نفسي،ومع بيتي، ومع مقتنياتي لامع شيئ مغاير، أن التراث، لا يجب النظر إليه ،بأنه إيجابي وسلبي، فهو تركيب بينهما وليس على أساس، هذا صالح، وآخر غير صالح.
ان مقياس ايجابية التراث، ليس معناه اللحاق بركب الغرب، وإنما المعيار هو أن يصبح الانسان الشرقي العربي، قوى فعالة، في العالم بأجمعه، فكل ما يزيد هذه القوة يعد إيجابا من تراثنا، وكل ما لا يزيد، أبقيه على حاله، دون تدعيمه
هناك ثلاث مواقف إتجاه التراث هي: موقف دعاة فرض الماضي على الحاضر وموقف ثاني رافض للتراث كله، محتظنا للفكر، والثقافة الغربية، وموقف ثالث وأخير، فهو موقف إلتقائي يأخذ ما يتناسب مع العقل، ويرفض اللاعقلانية في التراث.
3-درجة الإستفادة من التراث الوطني:
يملك الشعب الجزائري، زخما كبيرا من التراث، إلا أنه للأسف غير مستغل، بكيفية علمية دقيقة، لعدة أسباب منها:عدم الوعي بأهمية التراث، ، ووجود فهم خاطئ لقراءة هذا التراث الذي صورته بعض الدراسات الإستشراقية، والغربية بأبشع الصور، وأقبح الأحكام وأخطرها وهي نابعة من الحقد الدفين، الذي تكنه للجزائر خاصة، وللمسلمين عامة.
ولذلك كان لزاما، على أهل الحل والعقد، وضع خطة محكمة، مدروسة،وشاملة، تتيح للاجيال الصاعدة، التعرف على تراثهم المجيد عن قرب، بعد إجراء عليه، عدة تعديلات، وتحويرات وترتيبات قانونية، وتربوية، واجتماعية.
فأول عمل يفترض القيام به، هو عملية جرد وإحصاء، لكل تراثنا، بكل حقبه التاريخية والجغرافية أي(شمللة التراث) ثم تاتي فترة الترسيخ والتقنين.
كما يجب التفكير جديا، في منهجية علمية، في كيفية التعامل مع التراث، بمنهجية تتسم بالوضوح في الرؤية، والطرح،و تبسيط الوسائل، والطرق، والإجراءات الكفيلة بإستيعاب التراث، وعدم إستعمال عامل المناسبتية. و كذاك عدم تغليب كفة التراث المادي، على التراث الفكري، والأدبي، والروحي.
يجب أن يكون التراث حاضرا بيننا، في كل حين وفي كل وقت، لا أن نعود إليه إلا في فترة الأزمات، وأوقات الشدائد، ثم يزول بزوال مفعول، هذه المحنة أو تلك.
علينا أن نقرأ تراثنا، بعيون عربية جزائرية، لا بنظارات الكتابات الإستشراقية، والتغريبية وبالتالي، تكون قراءتنا لهذا، التراث من الداخل، لا من الخارج ،المتحامل على تراثنا، بشرط أن ترقى هذه الدراسة المحلية، إلى مستوى التحضر، والتجرد من كل خلفية، أو أحكام مسبقة له أو عليه التراث
ومن شروط، النهضة بالتراث، المعرفة التاريخية، بمكونات التراث، للجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومما يسهل هذه العملية، التوجه بالأبحاث، لتحضير مدونات في"تاريخ التراث المحلي"، يقوم بها المختصين، على شكل، موسوعات، ومعاجم ومجامع للتوثيق
على أن يتصف هذا العمل، بالجدية، والعمق، والإبداع، وبموضوعية كبيرة، وبإستقلالية أكبر. إن تعميق الإحساس، بقيمه التراث، لن يكون إلا في أطر،وشروط لا يمكن تجاوزها، كشرط التدرج من القيمة العاطفية(الخطب) ،إلى القيمة الجمالية (الجامعة)، وأخيرا قيمة المعاصرة المشاريع ، والأهم من كل ذلك شرط المحيط الملائم، في توفر المناخ الثقافي، والتوجيه الفكري، والتربية الجمالية.
خاتمة:
لابد من الإعتراف، بأن الفرد الجزائري، لا يستخدم كل إمكانياته، وقدراته المادية والفكرية، لتغيير واقعه المتخلف، خاصة وعصر اليوم ،يتميز بسرعة المعلومة فهو عصر التقنية، والبراغماتية.
وأمام كل هذه التحديات، الداخلية ،والخارجية، وأخطرها اليوم، تحدي العولمة الذي يستوجب ،على الشعب الجزائري، الإهتمام أكثر من ذي قبل ،بتراثه الوطني العربي الإسلامي، خاصة الثقافي منه، لكن ليس كل ما هو قديم يعتبر بالفعل تراثا.
فعلى الجزائر، الجديدة، المتجددة، أن تعانق ،وتحتضن الجزائر، القديمة، المنيرة وتتصالح معها، لأن الذي يجمعهما، هو الجغرافيا وما يفرقهماالا التاريخ، بإختلاف حقبه، إلا أنه في المقابل، يمثل امتدادا، تاريخيا واحدا، يخدم بعضه بعضا.
وعلينا، أن نتعامل مع التراث، بطرح الأسئلة، الثلاثة التالية:لماذا نهتم بالتراث وماذا نهتم في التراث، وكيف نهتم بالتراث؟.
فعلى التراث الوطني، أن يحقق شرط، التأثير والتأثر، عند العامة والخاصة.
لقد أصبح بعض الجزائريين الحداثيين، ينظرون بنظرة إحتقار، وإزدراء، وتعفف وزهد، بل والطعن فيه، ومحاربته جهارا نهارا.
حقيقة هناك تناقظات، ومغالطات، وأحكام مزاجية، تحاك ضد الجزائريين تراثيون كانوا أم حداثيون، ومحاولة الإقاع بينهما.
لكن الحقيقة العلمية، والتاريخية، هي التي تؤكد، على عنصر، التأثير والتأثر الذي حدث، ويحدث، بل يجب أن يحدث، بينهما مستقبلا،مهما وقع بينهما، من تجاف وفتور، وأخيرا يجب، أن تكون صناعة التراث، وصناعة الحداثة، من صنع
الجزائر والجزائريين.